فصل: تفسير الآيات (1- 3):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (124- 128):

{إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ (124) أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (125) اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (126) فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (127) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (128)}
{إذ قال لقومه ألا تتقون أتدعون بعلاً} يعني أتعبد ون بعلاً وهو صنم كان لهم يعبد ونه ولذلك سميت مدينتهم بعلبك قيل البعل الرب بلغة أهل اليمن {وتذرون} أي وتتركون عبادة {أحسن الخالقين} فلا تعبد ونه {الله ربكم ورب آبائكم الأولين فكذبوه فإنهم لمحضرون} أي في النار {إلا عباد الله المخلصين} أي من قومه الذين آمنوا به فإنهم نجوا من العذاب.

.تفسير الآيات (129- 143):

{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (129) سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ (130) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (131) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (132) وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (133) إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (134) إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (135) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآَخَرِينَ (136) وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (138) وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143)}
{وتركنا عليه في الآخرين سلام على إل ياسين} قرئ آل ياسين بالقطع قيل أراد آل محمد صلى الله عليه وسلم وقيل آل القرآن لأن ياسين من أسماء القرآن وفيه بعد وقرئ الياسين بالوصل ومعناه إلياس وأتباعه من المؤمنين {إنا كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين} قوله تعالى: {وإن لوطاً لمن المرسلين إذ نجيناه وأهله أجمعين إلا عجوزاً في الغابرين} أي الباقين في العذاب {ثم دمرنا} أي أهلكنا {الآخرين وإنكم} أي أهل مكة {لتمرون عليهم} أي على آثارهم ومنازلهم {مصبحين} أي في وقت الصباح {وبالليل} أي وبالليل في أسفاركم {أفلا تعقلون} أي فتعتبرون بهم.
قوله عز وجل: {وإن يونس لمن المرسلين} أي من جملة رسل الله تعالى {إذ أبق} أي هرب {إلى الفلك المشحون} أي المملوء قال ابن عباس ووهب كان يونس وعد قومه العذاب فتأخر عنهم فخرج كالمستور منهم فقصد البحر فركب السفينة فاحتبست السفينة فقال الملاحون هاهنا عبد آبق من سيده فاقترعوا فوقعت على يونس فاقترعوا ثلاثاً وهي تقع على يونس فقال أنا الآبق وزجَّ نفسه في الماء.
وقيل إنه لما وصل إلى البحر كانت معه امرأته وابنان له فجاء مركب فأراد أن يركب معهم فقدم امرأته ليركب بعدها فحال الموج بينه وبين المركب وذهب المركب وجاءت موجة أخرى فأخذت ابنه الأكبر وجاء ذئب فأخذ الابن الأصغر فبقي فريداً فجاء مركب فركبه وقعد ناحية من القوم فلما مرت السفينة في البحر ركدت فقال الملاحون إن فيكم عاصياً وإلا لم يحصل وقوف السفينة فيما نراه من غير ريح ولا سبب ظاهر فاقترعوا فمن خرج سهمه نغرقه فلأن يغرق واحد خير من غرق الكل فاقترعوا فخرج سهم يونس فذلك قوله تعالى: {فساهم} أي فقارع {فكان من المدحضين} يعني من المقرعين المغلوبين في سورة يونس والأنبياء {فالتقمه الحوت} أي ابتلعه {وهو مليم} أي آت بما يلام عليه {فلولا أنه كان من المسبحين} أي من الذاكرين الله عز وجلّ قبل ذلك وكان كثير الذكر وقال ابن عباس من المصلحين وقيل من العابدين. قال الحسن ما كانت له صلاة في بطن الحوت ولكنه قدم عملاً صالحاً فشكر الله تعالى له طاعته القديمة قال بعضهم اذكروا الله في الرخاء يذكركم في الشدة فإن يونس كان عبد اً صالحاً ذاكراً لله تعالى فلما وقع في الشدة في بطن الحوت شكر الله تعالى له ذلك فقال {فلولا أنه كان من المسبحين}.

.تفسير الآيات (144- 147):

{لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144) فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (145) وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (146) وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147)}
{للبث في بطنه إلى يوم يبعثون} وقيل لولا أنه كان يسبح في بطن الحوت بقوله: {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} للبث في بطنه إلى يوم يبعثون أي لصار بطن الحوت قبراً له إلى يوم القيامة.
قوله عز وجل: {فنبذناه} أي طرحناه إنما أضاف النبذ إلى نفسه وإن كان الحوت هو النابذ لأن أفعال العباد كلها مخلوقة لله تعالى: {بالعراء} أي بالأرض الخالية عن الشجر والنبات. وقيل بالساحل {وهو سقيم} أي عليل كالفرخ الممعط وقيل كان قد بلي لحمه ورق عظمه ولم تبق له قوة قيل إنه لبث في بطن الحوت ثلاثة أيام وقيل سبعة وقيل عشرين يوماً وقيل أربعين وقيل التقمه ضحى ولفظه عشية {وأنبتنا عليه شجرة من يقطين} يعني القرع قيل إن كان نبت يمتد وينبسط على وجه الأض كالقرع والقثاء والبطيخ ونحوه فهو يقطين قيل أنبتها الله تعالى له ولم تكن قبل ذلك وكانت معروشة ليحصل له الظل وفي شجر القرع فائدة وهي أن الذباب لا يجتمع عندها فكان يونس يستظل بتلك الشجرة ولو كانت منبسطة على الأرض لم يكن أن يستظل بها قيل وكانت وعلة تختلف إليه فيشرب من لبنها بكرة وعشية حتى اشتد لحمه ونبت شعره وقوي فنام نومة ثم استيقظ وقد يبست الشجرة وأصابه حر الشمس فحزن حزناً شديداً وجعل يبكي فأرسل الله تعالى إليه جبريل وقال أتحزن على شجرة ولا تحزن على مائة ألف من أمتك قد أسلموا وتابوا {وأرسلناه إلى مائة ألف} قيل أرسله إلى أهل نينوى من أرض الموصل قبل أن يصيبه ما أصابه والمعنى وكنا أرسلناه إلى مائة ألف فلما خرج من بطن الحوت أمر أن يرجع إليهم ثانياً وقيل كان إرساله إليهم بعد خروجه من بطن الحوت وقيل يجوز أن يكون إرساله إلى قوم آخرين غير القوم الأولين {أو يزيدون} قال ابن عباس معناه ويزيدون وقيل معناه بل يزيدون وقيل أو على أصلها والمعنى أو يزيدون في تقدير الرائي إذا رآهم قال هؤلاء مائة ألف أو يزيدون على ذلك فالشك على تقدير المخلوقين والأصح هو قول ابن عباس الأول.
وأما الزيادة فقال ابن عباس كانوا عشرين ألفاً ويعضده ما روي عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون} قال يزيدون عشرين ألفاً» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن وقيل يزيدون بضعاً وثلاثين ألفاً وقيل سبعين ألفاً.

.تفسير الآيات (148- 160):

{فَآَمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (148) فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (149) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ (150) أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (152) أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (153) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (154) أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (155) أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ (156) فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (157) وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (158) سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (159) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (160)}
{فآمنوا} يعني الذين أرسل إليهم يونس بعد معاينة العذاب {فمتعناهم إلى حين} أي إلى انقضاء آجالهم.
قوله عز وجل: {فاستفتهم} أي فسل يا محمد أهل مكة وهو سؤال توبيخ {ألربك البنات ولهم البنون} وذلك أن جهينة وبني سلمة بن عبد الدار زعموا أن الملائكة بنات الله.
والمعنى جعلوا لله البنات ولهم البنين وذلك باطل لأن العرب كانوا يستنكفون من البنات والشيء الذي يستنكف منه المخلوق كيف ينسب للخالق {أم خلقنا الملائكة إناثاً وهم شاهدون} أي حاضرون خلقنا إياهم {ألا إنهم من إفكهم} أي من كذبهم {ليقولون ولد الله} أي في زعمهم {وإنهم لكاذبون} أي فيما زعموا {أصطفى البنات} أي في زعمكم {على البنين} وهو استفهام توبيخ وتقريع {ما لكم كيف تحكمون} أي بالبنات لله ولكم بالبنين {أفلا تذكرون} أي أفلا تتعظون {أم لكم سلطان مبين} أي برهان بين على أن لله ولداً {فأتوا بكتابكم} يعني الذي لكم فيه حجة {إن كنتم صادقين} أي في قولكم {وجعلوا بينه وبين الجنة نسباً} قيل أراد بالجنة الملائكة سموا جنة لاجتنانهم عن الأبصار.
قال ابن عباس هم حي من الملائكة يقال لهم الجن ومنهم إبليس قالوا هم بنات الله فقال لهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه فمن أمهاتهم قالوا سروات الجن.
وقيل معنى النسب أنهم أشركوا في عبادة الله تعالى.
وقيل هو قول الزنادقة الخير من الله والشر من الشيطان {ولقد علمت الجنة إنهم} يعني قائلي هذا القول {لمحضرون} أي في النار {سبحان الله عما يصفون} نزه الله تعالى نفسه عما يقولون {إلا عباد الله المخلصين} هذا استثناء من المحضرين والمعنى أنهم لا يحضرون.

.تفسير الآيات (161- 171):

{فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ (161) مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (162) إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ (163) وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (164) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166) وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ (167) لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ (168) لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (169) فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (170) وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171)}
{فإنكم} يعني يا أهل مكة {وما تعبد ون} أي من الأصنام {ما أنتم عليه} أي على ما تعبد ون {بفاتنين} أي بمضلين أحداً {إلا من هو صال الجحيم} أي إلا من سبق له في علم الله تعالى الشقاوة وأنه سيدخل النار.
قوله تعالى إخباراً عن حال الملائكة {وما منا إلا له مقام معلوم} يعني أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم وما منا معشر الملائكة ملك إلا له مقام معلوم يعبد ربه فيه. وقال ابن عباس ما في السموات موضع شبر إلا وعليه ملك يصلي أو يسبح. وروى أبو ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أطت السماء وحق لها أن تئط والذي نفسي بيده ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته لله ساجداً» أخرجه الترمذي. وهو طرف من حديث قيل الأطيط أصوات الأقتاب وقيل أصوات الإبل وحنينها ومعنى الحديث ما في السماء من الملائكة قد أثقلها حتى أطت وهذا مثل مؤذن بكثرة الملائكة وإن لم يكن ثم أطيط وقيل معنى إلا له مقام معلوم أي في القرب والمشاهدة وقيل يعبد الله على مقامات مختلفة كالخوف والرجاء والمحبة والرضا {وإنا لنحن الصافون} يعني الملائكة صفوا أقدامهم في عبادة الله تعالى كصفوف الناس في الصلاة في الأرض {وإنا لنحن المسبحون} أي المصلون لله تعالى وقيل المنزهون لله تعالى عن كل سوء يخبر جبريل النبي صلى الله عليه وسلم أنهم يعبد ون الله بالصلاة والتسبيح وأنهم ليسوا بمعبودين كما زعمت الكفار قوله عز وجل: {وإن كانوا ليقولون} يعني كفار مكة قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم {لو أن عندنا ذكراً من الأولين} يعني كتاباً مثل كتاب الأولين {لكنا عباد الله المخلصين} أي لأخلصنا العبادة لله {فكفروا به} أي فلما أتاهم الكتاب كفروا به {فسوف يعلمون} فيه تهديد لهم قوله عز وجل: {ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين} يعني تقدم وعدنا لعبادنا المرسلين بنصرهم.

.تفسير الآيات (172- 182):

{إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (174) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (176) فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ (177) وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (178) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (179) سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182)}
{إنهم لهم المنصورون} أي بالحجة البالغة {وإن جندنا} أي حزبنا المؤمنين {لهم الغالبون} أي لهم النصرة في العاقبة {فتول} أي أعرض {عنهم حتى حين} قال ابن عباس يعني الموت وقيل إلى يوم بدر وقيل حتى آمرك بالقتال وهذه الآية منسوخة بآية القتال وقيل إلى أن يأتيهم العذاب {وأبصرهم} أي إذا نزل بهم العذاب {فسوف يبصرون} أي ذلك فعند ذلك قالوا متى هذا العذاب قال الله عز وجل: {أفبعذابنا يستعجلون فإذا نزل} يعني العذاب {بساحتهم} أي بحضرتهم وقيل بفنائهم {فساء صباح المنذرين} أي فبئس صباح الكافرين الذين أنذروا العذاب.
(ق) عن أنس رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر فلما دخل القرية قال الله أكبر خربت خيبر إنا إذا أنزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين قالها ثلاث مرات» ثم كرر ذكر ما تقدم تأكيداً لوعيد العذاب فقال تعالى: {وتولى عنهم حتى حين} وقيل المراد من الآية الأولى ذكر أحوالهم في الدنيا وهذه ذكر أحوالهم في الآخرة فعلى هذا القول يزول التكرار {وأبصر} أي العذاب إذا نزل بهم {فسوف يبصرون} ثم نزه نفسه فقال تعالى: {سبحان ربك رب العزة} أي الغلبة والقدرة وفيه إشارة إلى كمال القدرة وأنه القادر على جميع الحوادث {عما يصفون} أي عن اتخاذ الشركاء والأولاد {وسلام على المرسلين} أي الذين بلغوا عن الله عز وجل التوحيد والشرائع لأن أعلى مراتب البشر أن يكون كاملاً في نفسه مكملاً لغيره وهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فلا جرم يجب على كل أحد الاقتداء بهم والاهتداء بهداهم {والحمد لله رب العالمين} أي على هلاك الأعداء ونصرة الأنبياء وقيل الغرض من ذلك تعليم المؤمنين أن يقولوه ولا يخلوا به ولا يغفلوا عنه لما روي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال: «من أحب أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة فليكن آخر كلامه إذا قام من مجلسه سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين» والله أعلم بمراده وأسرار كتابه.

.سورة ص:

.تفسير الآيات (1- 3):

{ص وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ (1) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2) كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3)}
قوله عز وجل: {ص} قيل هو قسم وقيل اسم للسورة وقيل مفتاح اسمه الصمد وصادق الوعد والصبور وقيل معناه صدق الله وعن ابن عباس صدق محمد صلى الله عليه وسلم {والقرآن ذي الذكر} قال ابن عباس أي ذي البيان وقيل ذي الشرف وهو قسم قيل وجوابه قد تقدم وهو قوله تعالى: {ص} أقسم الله سبحانه وتعالى بالقرآن إن محمداً صلى الله عليه وسلم لصادق وقيل جواب القسم محذوف تقديره والقرآن ذي الذكر ما الأمر كما تقول الكفار دل على هذا المحذوف قوله تعالى: {بل الذين كفروا} وقيل بل الذين كفروا موضع القسم وقيل فيه تقديم وتأخير تقديره بل الذين كفروا {في عزة وشقاق} والقرآن ذي الذكر وقيل جوابه {إن كل إلا كذب الرسل} وقيل جوابه {إن هذا لرزقنا} وقيل {إن ذلك لحق تخاصم أهل النار} وهذا ضعيف لأنه تخلل بين القسم وهذا الجواب أقاصيص وأخبار كثيرة وقيل بل لتدارك كلام ونفي آخر ومجاز الآية أن الله تعالى أقسم بص والقرآن ذي الذكر بل الذين كفروا من أهل مكة في عزة أي حمية وجاهلية وتكبر عن الحق وشقاق أي خلاف وعداوة لمحمد صلى الله عليه وسلم {كم أهلكنا من قبلهم من قرن} يعني من الأمم الخالية {فنادوا} أي استغاثوا عند نزول العذاب وحلول النقمة {ولات حين مناص} أي ليس الحين حين فرار وتأخر قال ابن عباس: كان كفار مكة إذا قاتلوا فاضطروا في الحرب قال بعضهم لبعض مناص أي اهربوا وخذوا حذركم فلما نزل بهم العذاب ببدر قالوا مناص فأنزل الله عز وجل: {ولات حين مناص} أي ليس الحين حين هذا القول.